(أوام):- محمود ياسين
يقول جو صنعاء اليوم باريسي
وهو في حقيقة الأمر لم يصل لأبعد من باجل يوما
ثم أنه لا احد يدري لماذا لا يقولون جو لندني أو بروكسلي مثلا .
صنعاء هي صنعاء بجبلين وهوة تأتي بالريح من أقاصي البلقان ، وتبقى صنعاء في سقعة الماء بحلقك وفي نغمة كوكبانية لثلاثي كنا نسخرمنه والأخوة الكوكباني يصرخون : صنعا اليمن ثانيه .
بقي أحدهم يكتب قصائد في مساءات الرقاص ويوقعها : باريس .
وكأنه عليك التسكع في السان جرمان بمعطف رمادي والكثير من الكسل لينتابك حس ليبرالي باريسي .
قال صديقي : أهرب يا محمود ، في باريس ستجد نفسك وتبدل جلدك المشقق من أتربة الحصبة ،
أتملى جلدي وأجده غير مشقق وأبحث بعدها في ذاكرتي عن الفنانين الباريسيين الذين ضجروا من باريس وفورا يصادفني دي موبوسانالذي غادرها بسبب برج إيفل ، قال انه كان يضغط على اعصابه بابتذاله .
غادرها رامبو بحثا عن احتدام عالم لايزال صلدا ولم توهنه الدانتيلا وملق الوجود الأملس المتكلف ، قال : سأعود من أفريقيا بعين غضوبةوجلد غامق ، هو انتهى بالطبع عالقا في فخ الملل بعد أن جرب حتى تجارة العبيد وكان ميلان كونديرا قد اختزل تلك التجربة في أن رامبو فرمن باريس إلى " تهريج كئيب ".
نحن لسنا مثقفي منافي الستينات حيث كان السان جرمان يمنحهم تلك الرومانسية الشاردة تتسكع بجاذبية الهارب من ديكتاتورية شرقأوسطية ، كانت باريس تتعرف اليهم ضمن مزاج احتفائي بالمنشق الليبرالي يتحدث الفرنسية متملقا الفرنكفونية لأجل نزعة باريس الاباحيةحيث كان مجون المدينة ايامها مهمة ثقافية .
وصل صديقي الى باريس وقد قطع كل هذه المسافة لكنه علق في الحي اللاتيني يعمل غاسل صحون بمطعم يعج بالمخمورين من عصاباتالدراجات النارية ، لم يجد احدا في السان جرمان من شلة العرب الشعراء المنفيين، ولا حتى الفندق الذي امضى فيه البير قصيري نصفقرن نزيلا في احدى غرفه .
كان صوته يشي باحباط من خذلته باريس التي ليست كما في الروايات ، اخفت عنه بحيرة العشاق حيث يقذفون المفاتيح ، وكاتدرائيةنوتردام وكأنها لم تلحظ الاحدب الذي داخله ، تنصلت باريس حتى من مجونها الذي استخدمته كطعم في حلم فتى اجتذبته ليغسلالصحون في الواقع .
اخبرته وانا اصعد الدرج بحماسة ان احدنا اذ يغادر صنعاء يمكنه فحسب الحصول على مكان اضافي في رواية قصيري " الرجالالمنسيون من طرف الاله "